فصل: باب الحيض

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر ***


باب الحيض

لما فرغ من الأحداث التي يكثر وقوعها ذكر ما هو أقل وقوعا منه ولقب بالباب لأصالته بالنظر إلى الاستحاضة فإنها تعرف بعد معرفته والحيض في اللغة عبارة عن السيلان يقال حاض الوادي أي سال فسمي حيضا لسيلانه في أوقاته ‏.‏

وفي الشريعة ‏(‏ وهو دم ينفضه رحم امرأة بالغة لا داء بها ‏)‏ واحترز بقيد الرحم عن الرعاف والدماء الخارجة عن الجراحات ودم الاستحاضة فإنها دم عرق لا دم رحم وبقيد بالغة عن دم تراه الصغيرة قبل أن تبلغ تسع سنين وبقيد لا داء بها عن دم النفاس فإن النفساء مريضة في اعتبار الشرع حتى اعتبر تبرعاتها من الثلث ‏.‏

وقال الباقاني نقلا عن البهنسي قيد بالغة زائد ‏;‏ لأنه لإخراج دم الاستحاضة وقد خرج بقوله رحم وقوله لا داء بها لإخراج ما كان لمرض أو نفاس ‏,‏ ويخرج به دم الاستحاضة أيضا انتهى لكن أقول يمكن الجواب عن الأول بأن بعض المشايخ لا يطلقون على دم الصغيرة دم الاستحاضة بل دما ضائعا فزيد القيد المذكور تكميلا للتعريف على الأصلين وإخراجا له عن حيز الخلاف وعن الثاني بأن قوله لا داء بها لإخراج ما كان لمرض الرحم لا لمرض ذات الرحم ‏,‏ ودم الاستحاضة دم عرق ولا مدخل للرحم فيه تدبر ‏.‏

مدة الحيض

‏(‏ وأقله ثلاثة أيام ‏)‏ برفع ‏:‏ ثلاثة على الخبرية ونصبها على الظرفية ‏,‏ وعلى الأول يكون المعنى أقل مدة الحيض ثلاثة أيام على تقدير المضاف ‏(‏ بلياليها ‏)‏ يعني ثلاث ليال كما هو ظاهر الرواية ‏,‏ وإضافة الليالي إلى الأيام لبيان اعتبار عدد الأيام فيها لا للاختصاص فلا يلزم أن يكون الليالي ليالي تلك الأيام ومن لم يتفطن على هذا قال ما قال ‏.‏

‏(‏ وعن أبي يوسف يومان وأكثر الثالث ‏)‏ وعند الشافعي وأحمد يوم وليلة وعند مالك ساعة ‏(‏ وأكثره عشرة ‏)‏ أي عشرة أيام وعند الشافعي خمسة عشر يوما وبه قال أحمد ومالك في رواية وهي رواية عن أبي يوسف وأبي حنيفة أو لا رحمهما الله وعند أحمد في الأظهر سبعة عشر يوما وعن مالك لا حد لقليله ولا لكثيره ‏,‏ والحجة عليهم ما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام ‏"‏أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام‏"‏ ‏.‏

‏(‏ وما نقص عن أقله أو زاد على أكثره فهو استحاضة ‏,‏ وما تراه من الألوان في مدته سوى البياض الخالص فهو حيض ‏)‏ ‏.‏

اعلم أن ألوان الحيض هي الحمرة والسواد وهما حيض إجماعا وكذا الصفرة المشبعة في الأصح ‏,‏ والخضرة والصفرة الضعيفة والكدرة والترابية عندنا والفرق بينهما أن الكدرة تضرب إلى البياض ‏,‏ والترابية إلى السواد ‏.‏

‏(‏ وكذا الطهر المتخلل بين الدمين فيها ‏)‏ أي مدة الحيض فهذه رواية محمد عن الإمام ولا يجوز عليها البداءة بالطهر ولا الختم به ووجهها أن استيعاب الدم مدة الحيض ليس بشرط إجماعا فيعتبر أولها وآخرها كالنصاب في باب الزكاة صورته مبتدأة رأت يوما دما وثمانية أيام طهرا ويوما دما فالعشرة كلها حيض لإحاطة الدم بطرفي العشرة ‏,‏ ولو رأت يوما دما وتسعة طهرا ويوما دما لم يكن شيء منه حيضا ‏.‏ وقال أبو يوسف ‏:‏ وهو رواية عن الإمام وقيل - وهو آخر أقواله - ‏:‏ إن كان الطهر أقل من خمسة عشر يوما لا يفصل ‏;‏ لأنه طهر فاسد فصار بمنزلة الدم ‏,‏ وكثير من المتأخرين أفتوا بهذه الرواية ‏;‏ لأنها أيسر على المفتي والمستفتي لقلة التفاصيل التي يشق ضبطها ويجوز عليها البداءة بالطهر والختم به لكن بشرط إحاطة الدم من الجانبين كما لو رأت قبل عادتها يوما دما وعشرة أيام طهرا ويوما دما فالعشرة حيض هذا بحث طويل فليطلب من شروح الهداية وغيرها ‏.‏

دم النفاس

‏(‏ والنفاس ‏)‏ بكسر النون مصدر نفست المرأة بضم النون وفتحها إذا ولدت فهي نفساء وهن نفاس وليس فعلاء يجمع على فعال إلا نفساء وعشراء والولد منفوس ‏.‏

وفي الاصطلاح ‏(‏ دم يعقب الولد ‏)‏ من الفرج فلو ولدت ولم تر دما لا تكون نفساء لكن يجب عليها الغسل عند الإمام ‏,‏ وعند أبي يوسف لا ‏.‏ وفي السراج الوهاج بل هي نفساء عند الإمام وبه يفتي الصدر الشهيد وصحح الزيلعي قول أبي يوسف معزيا إلى المفيد ‏,‏ وقال ‏:‏ لكن يجب عليها الوضوء ‏.‏

دم الاستحاضة

‏(‏ ودم الاستحاضة كرعاف دائم لا يمنع صلاة ولا صوما ولا وطء ‏)‏ وهذه المسألة لم تذكر في موضعها ‏,‏ والمناسب أن تذكر في فصل المستحاضة تدبر ‏.‏

فصل المستحاضة ومن به سلس بول

فصل ‏(‏ المستحاضة ومن به سلس بول أو ‏)‏ من به ‏(‏ استطلاق بطن أو انفلات ريح أو رعاف دائم أو جرح لا يرقأ ‏)‏ الاستحاضة في اللغة استمرار الدم بالمرأة بعد أيامها وسلس البول استرساله وعدم استمساكه واستطلاق البطن جريانه وانفلات الريح أن لا يستطيع جمع مقعده كل الجمع والجرح الذي لا يرقأ وهو الذي يسكن دمه ‏(‏ يتوضئون لوقت كل صلاة ‏,‏ ويصلون به في الوقت ما شاءوا من فرض ونفل ‏)‏ ما دام الوقت باقيا ‏,‏ والمراد بالنفل ما زاد على الفرض فيشمل الواجب والنذر ‏.‏

وقال الشافعي ‏:‏ يتوضئون لكل صلاة فرض ويصلون به من النوافل ما شاءوا تبعا لذلك الفرض لقوله عليه الصلاة والسلام ‏"‏المستحاضة تتوضأ لكل صلاة‏"‏ أطلق صلى الله عليه وسلم الصلاة والمطلق ينصرف إلى الكامل ‏,‏ والكامل هي المكتوبة ولنا أن اللام في لكل صلاة تستعار للوقت كما في قوله تعالى ‏{‏ لدلوك الشمس ‏}‏ وإلا لزم الوضوء لقضاء كل صلاة لو كانت عليها صلوات ‏,‏ وهذا حرج وهو مدفوع على أن الحفاظ اتفقوا على ضعف متمسكه على ما حكاه النووي في المذهب ‏(‏ ويبطل ‏)‏ الوضوء ‏(‏ بخروجه ‏)‏ أي بخروج الوقت ‏(‏ فقط ‏)‏ هذا إذا كان العذر موجودا وقت الوضوء أو بعده أما لو وجد قبله ثم انقطع واستمر الانقطاع إلى أن خرج الوقت فلا يبطل وضوءه ‏,‏ ولهذا جاز المسح على الخفين للمستحاضة بعد خروج الوقت إذا لم يكن الدم سائلا وقت الوضوء واللبس ‏(‏ وقال زفر بدخوله ‏)‏ أي بدخول الوقت ‏(‏ فقط ‏)‏ وإضافة البطلان إلى الخروج والدخول مجاز ‏;‏ لأنه لا تأثير للخروج والدخول في الإنقاض حقيقة ‏.‏

‏(‏ وقال أبو يوسف ‏)‏ يبطل ‏(‏ بأيهما كان ‏)‏ وإلى ثمرة الخلاف أشار بقوله ‏(‏ فالمتوضئ وقت الفجر لا يصلي به بعد الطلوع ‏)‏ عند علمائنا الثلاثة لانتفاض طهارته بالخروج ‏(‏ إلا عند زفر والمتوضئ بعد الطلوع ‏)‏ قبل الزوال ولو لعيد على الصحيح ‏(‏ يصلي به الظهر ‏)‏ عند الطرفين لعدم خروج وقت الفرض فلا ينتقض بخروج وقت الطهر ‏(‏ خلافا له ‏)‏ أي لزفر لوجود دخول الوقت ولأبي يوسف لوجود أحد الناقضين ‏,‏ وهو دخول الوقت ‏.‏

باب الأنجاس

إضافة الباب إلى الأنجاس باعتبار أن بيانها فيه فالإضافة لأدنى ملابسة ‏,‏ ولا يقتضي تقدير البيان كما سبق إلى بعض الأذهان وما في صيغة الجمع من الإشارة إلى تعدد الأنواع يعني على تقدير الأنواع مضافا إلى الأنجاس فمن قال ‏:‏ تقدير الكلام ‏:‏ باب بيان أنواع الأنجاس فقد زاده ‏.‏

والأنجاس جمع نجس بفتح النون وكسر الجيم وفتحها وسكونها مع فتح النون وبكسر النون مع كسر الجيم كلها مستعملة في اللغة والنجس كل مستقذر في الأصل مصدر استعمل اسما يطلق على الحقيقي ‏,‏ وهو الخبث وعلى الحكمي وهو الحدث والمراد ها هنا الأول ولما فرغ من بيان النجاسة الحكمية وتطهيرها شرع في بيان النجاسة الحقيقية وتطهيرها وإنما أخرها عنها ‏;‏ لأنها أقوى يدل على ذلك أن قليلها يمنع الجواز اتفاقا بخلاف الحقيقة فإن قليلها معفو عند الشافعي وعندنا قدر الدرهم وما دونه من المغلظة وما دون ربع الثوب من المخففة ‏(‏ يطهر بدن المصلي وثوبه ‏)‏ وكذا مكانه يعني لما وجب التطهير في الثوب بعبارة النص وجب في البدن والمكان بدلالته ‏;‏ لأن الاستعمال في حالة الصلاة يشمل الكل ‏.‏

وفي الآخرين أولى باعتبار أنه لا يخلو عنهما ‏,‏ وقد يخلو عن الثوب ‏,‏ ولم يذكر ها هنا المكان ‏;‏ لأنه أنواع ولكل منها حكم خاص على ما ستقف عليه ثم المعتبر في طهارة المكان تحت قدم المصلي حتى لو افتتح الصلاة وتحت قدميه أكثر من قدر الدرهم من النجاسة فصلاته فاسدة ‏;‏ لأنه لا بد من القيام ‏,‏ وذلك يكون بالقدم وأما في موضع السجود ففي رواية أبي يوسف عنه أنه يجوز ‏(‏ من النجس الحقيقي بالماء ‏)‏ ولو مستعملا على قول محمد وروايته عن الإمام ‏,‏ وأما عند أبي يوسف فنجس نجاسة خفيفة لا يفيد الطهارة إلا أنه إن أزيلت به نجاسة غليظة زالت وتبقى نجاسة الماء ‏(‏ وبكل مائع طاهر ‏)‏ احتراز عن بول ما يؤكل لحمه ‏(‏ مزيل ‏)‏ أي من شأنه إزالة النجاسة بأن ينعصر إذا عصر ‏(‏ كالخل وماء الورد لا الدهن ‏)‏ ‏;‏ لأنه بدسومته لا تزيل غيره ‏,‏ وكذا اللبن ‏,‏ ونحوه ‏.‏

‏(‏ وعند محمد لا يطهر إلا بالماء ‏)‏ ‏;‏ لأنه يتنجس بأول الملاقاة ‏,‏ والنجس لا يفيد الطهارة إلا أن هذا القياس ترك في الماء للضرورة وهو مذهب الشافعي وزفر ولهما أن النجاسة الحقيقة ترتفع بالماء اتفاقا لقلعه النجاسة عن محلها فكذا يرفعها المائع لمشاركته الماء في هذا المعنى ولا فرق بين الثوب والبدن في طهارتهما بالمائع عند الإمام وأبي يوسف في رواية ‏,‏ وفي رواية أخرى عنه لا يطهر البدن إلا بالماء ‏.‏

الاستنجاء

‏(‏ والاستنجاء ‏)‏ إنما ذكره في باب الأنجاس وتطهيرها ‏;‏ لأنه من جنس تطهير البدن من النجاسة وهو مسح موضع النجو ‏,‏ والنجو ما يخرج من البدن يقال ‏:‏ نجا وأنجا إذا أحدث والسين للطلب كأنه طلب النجو ‏,‏ وفي الأصل أعم منه لكونه بالماء تارة وبالأحجار أخرى ‏(‏ سنة ‏)‏ لمواظبة النبي عليه الصلاة والسلام كذا في الهداية واعتراض بعض الفضلاء بأن المواظبة من غير ترك دليل الوجوب ‏,‏ ودفعه بتقييده مع الترك ليس بسديد ‏;‏ لأن الحكم يثبت بقدر دليله ‏,‏ ومواظبته عليه الصلاة والسلام ليست دليلا على الوجوب ‏,‏ وهو المختار ‏,‏ والقائل بدلالتها على الوجوب إنما يقول عند سلامتها عن معارض ‏,‏ وقد وقع المعارض ها هنا ‏,‏ وهو قوله عليه الصلاة والسلام ‏:‏ ‏"‏من استجمر فليوتر ‏,‏ ومن فعل هذا فقد أحسن ومن لا فلا‏"‏ حرج ‏;‏ لأنه كان واجبا لما انتفى الحرج عن تاركه فعلم أنه ليس بواجب فثبت بالمواظبة سنيته تدبر ‏.‏

وقال الشافعي ‏:‏ هو فرض فلا تجوز الصلاة إلا به ‏(‏ مما يخرج من أحد السبيلين غير الريح ‏)‏ ونحوه مما هو غير الخارج المذكور كالنوم والإغماء والفصد والخارج من قرح السبيلين وإنما استثنى ذلك ‏,‏ وهو غير محتاج إليه للمبالغة في المنع عن ذلك فإن الاستنجاء فيها بدعة ‏.‏